ينبغي على إقليم كردستان الاستفادة من تجربة الدستور التونسي لترسيخ المواطنة.

🖊️بقلم ره نج باراوي (باحث قانوني اقليم كردستان العراق)

المواطنة قيمة أساسية في بناء المجتمعات الحديثة، وهي العلاقة التي تجمع الفرد بالدولة، وتمنحهما حقوقًا وتفرض عليهما واجبات. في تونس الخضراء، تتجلى المواطنة في تمسك التونسيين بأرضهم وتاريخهم. ولا يخفى على أحد أن تونس عرفت تنوعًا ثقافيًا ودينيًا عبر تاريخها المجيد، من العرب والأمازيغ إلى التأثيرات المتوسطية.

ورغم تنوع تقاليدهم ومعتقداتهم، يعيش التونسيون تحت سقف واحد، تحكمهم مبادئ الدستور الذي يؤكد على المساواة واحترام حقوق الإنسان. المواطنة الحقيقية في تونس اليوم تعني احترام المواطنين وسيادة القانون.

كان الزعيم (الحبيب البورقيبة)، أول رئيس للجمهورية التونسية بعد الاستقلال عام ١٩٥٦، شخصية محورية في مفهوم بناء المواطنة والتعايش السلمي، حيث أرسى دعائم الدولة المدنية من خلال التعليم والرعاية الصحية، كما أكد على دور المواطن الذي يقود البلاد إلى الأمام من خلال الشعور بالاستقلال والولاء للأرض والوطن. رسخ اعتماد دستور عام ١٩٥٩ فكرة الدولة المدنية الحديثة، التي تراعي حقوق المواطنين بغض النظر عن آرائهم، من خلال نشر التعليم المجاني عبر حملات إلزامية لبناء أسس المجتمع. ركز بورقيبه على التنمية الاقتصادية والتنمية المستدامة، وغرس روح الوحدة الوطنية بين المواطنين. وأتاح للجميع فرصة تعزيز مكانتهم في الوطن كمواطنين صالحين وكرام، وضمان كرامتهم الأساسية. ومن ذلك، على سبيل المثال، تحرير المرأة، ومنحها حقوقًا غير مسبوقة في العالم العربي (إلغاء تعدد الزوجات). ورغم اختلاف آراء التونسيين حول بورقيبه، إلا أن الأغلبية تعتبره “أب الأمة” لأنه رسّخ مبادئ الدولة المدنية ووضع أسسها.

بعد ثورة ٢٠١١، شهدت تونس تحولات فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية عميقة في مفهوم المواطنة. وكانت الإصلاحات الاقتصادية جزءًا لا يتجزأ من قيمة المواطنة. لا يشعر المواطنون بالانتماء الحقيقي لوطنهم إلا إذا توفرت لهم شروط الحياة الكريمة، بما في ذلك فرص العمل والصحة والتعليم والأمن والسلام والعدالة الاجتماعية. علاوة على ذلك، مكّن إطلاق برامج لدعم مبادرات المشاريع الصغيرة، إلى جانب الإصلاحات الضريبية، المواطنين التونسيين من تقديم صورة إيجابية عن بلدهم للمقيمين والزائرين الأجانب. تجدر الإشارة إلى أن المواطنة أصبحت، أكثر من أي وقت مضى، هوية المواطن التونسي، من خلال حرية التعبير والمواطنة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كما عزز الدستور التونسي لعام 2014 مفهوم المواطنة، مجسدًا المساواة بين المواطنين والمواطنات دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو اللغة. هذا، إلى جانب الإطار القانوني، جعل المواطنين التونسيين مشاركين أساسيين في رسم مستقبل بلدهم وحماية أنفسهم من الاضطهاد من خلال القانون.

يمكن القول إن المواطنة في الدستور لم تعد مجرد وضع قانوني، بل تحولت إلى علاقة متوازنة بين الفرد والدولة، قائمة على الحقوق والواجبات، تُكمل التعايش السلمي. لقد أثّر دور الإعلام التونسي على حرية التعبير والنقاش العام للمواطنين، ممكّنًا إياهم فكريًا ونفسيًا وثقافيًا، وغرسًا للوطنية في نفوسهم. هذا جعل هوية المواطن في البلاد هوية حقيقية للمواطنة والتعايش السلمي في المجتمع التونسي. إن التزام الإعلام بالموضوعية والإنصاف جعله قادرًا تقريبًا على حمل راية تقدم البلاد والحفاظ على وحدتها الوطنية.

خلال رحلات العمل التي قمت بها إلى بلدي الثاني، تونس الخضراء، عام ٢٠١٧، أعجبت بالارتباط الملموس في هوية المواطنين التونسيين، والمتمثل في اعتزازهم بالزعيم البرجوازي الراحل، واعتزازهم بالثقافة التونسية، وحرية حركات المجتمع المدني. اقتنعت بأن ألفة التونسيين بتونس ليست في نفوسهم فحسب، بل في حبهم لوطنهم أيضًا. هناك من يصون كرامتهم ويحقق العدالة الاجتماعية.. على عكس العراق، فإن غياب مفهوم عام للمواطنة جعل العلاقة القانونية بين الفرد والدولة تبدو أكثر قانونية، رغم كونها حقًّا دستوريًّا. وبسبب المواطنة الناقصة، يشعر المواطنون العراقيون بالغربة عن وطنهم، ويبحثون عن بلد آخر ليكون ملاذًا آمنًا لهم بسبب الانقسامات الطائفية والصراعات الطائفية والتمييز العرقي والديني وتعدد الزوجات. وقد خلق ذلك إشكاليات أمام قيام دولة مدنية حديثة تنقل التعايش من شعارات المؤتمرات والقصور إلى أرض الواقع.

لدينا مشكلة جنسية قانونية في إقليم كردستان العراق، والتي ترجع إلى فجوة دستورية (غياب الدستور)، مما خلق بيئة مليئة بفقدان الانتماء الحقيقة للمواطنين الأكراد. هناك فقد من قبل المواطنين للمشاركة في بناء دولة حديثة وحضارية، بسبب غياب المواطنة وعدم ضمان حقوقهم ووعدم وضوح ضمان الاجتماعي والاقتصادي. وفي هذة البيئة المجهولة ان الاغلبية من سكان اقليم كوردستان غالبًا ما لا يمكن أن يكونوا مواطنين صالحين.

ختامًا، بالإضافة إلى التعلم من التجربة التونسية للدستور، يمكن لإقليم كردستان العراق الاعتماد بشكل أكبر على تطبيق مبادئ الديمقراطية البرلمانية والقوانين الفيدرالية في صياغة دستور المستقبل. عند صياغة دستور إقليم كردستان العراق. يجب اعتبار الدستور التونسي نموذجًا دستوريًا من خلال الاهتمام بمبادئ التوافق وحماية حقوق المرأة والتغلب على الغموض في بعض الأحكام لتجنب النزاعات المستقبلية وحماية الأمن الاقتصادي وأيضًا غرس بذور التربية الوطنية في المؤسسات الحكومية وخاصة المؤسسات التعليمية وحتى نأخذ في الاعتبار دور الخالد الزعيم ملا مصطفي البارزاني ب كمسارثوري ومنطقي و ودور الراحل الشيخ محمود حفيد كأول ملك لممكلة كوردستان العراق الذي كان له اثروتاثيرفي نفووس الكورد جميعا وكانوا يشعرون بانهم مواطنين صالحين.

ره نج باراوی

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى